لماذا لا يُعفى – الميّت - من ضريبة الدفع ؟
جاء في بيان المجلس الملّي الموقرلعام 2014 مايلي :
ضريبة دفع لغير المنتسبين إلى الكنيسة .
2000 كرون سويدي.. معموديّة .
5000 آلاف كرون سويدي.. أكليل .
2000 كرون سويدي.. خطوبة .
15000 كرون سويدي ( ضريبة وفاة – خدمات وفاة- ) .
500 كرون سويدي قنديله ( مسحة المرضى ).
4000 كرون سويدي ، إيجار الصالة الكبيرة .
2000 كرون سويدي ، إيجار الصالة الصغيرة .
500 كرون سويدي ( ورقة بيان شخصي من الكاهن ) .
أرقام ... وأرقام ... وأرقام . وكلها لمصلحة النظام .. ونحن كنا دوماً وسنبقى بإذن الله مع النظام .. والمثل يقول : ( اللي أوَّله شرط ، آخره نور ) . لهذا الله ينوِّر عليكم وعلينا جميعاً ، علّنا نستطيع سويّة مناقشة هذه القضيّة الحسَّاسة ، ألا وهي قضيّة النظام ، التي من خلالها سنترك على طرف ، كل الضرائب المفروضة ضمن مجموعة النظام ، ونتكلّم فقط عن ( ضريبة الميّت ) والتي نحن بصددها الآن . رحم الله أمواتكم وأمواتنا أجمعين ، ورفع عنهم ضريبة ذنوبهم التي أرتكبوها بإرادة وبغير إرادة ، بمعرفة وبغير معرفة.
القضية التي نطرحها حاليّاً عزيزي القارىءهي معنويّة أكثر من أن تكون ماديّة ..!..وهي حسَّاسة للغاية ، حيث أخذت جدلاً ونقاشاً واسعاً بين المؤمنين ... فخمسة عشر ألف كرون سويدي ليس بالمبلغ الكبير الذي يستاهل الوقوف عنده ومناقشته ..خصوصاً أنه لمرّة واحدة يدفعه ( الميّت ) ويرحل ..! وهو بالأساس لايأخذ معه شيئاً ، يترك كل ثرواته
ويغادر .. فماذا لو دفع هذا المبلغ .. هل ستتأثر مصالحه الماديّة ؟ لا أبداً ..
هل سيقول له أهل الجنة لا ليس لديك مكاناً بيننا لأنَّك أتيت فارغ اليدين؟
لا أبداً ..
وماذا لو دفع ذوي الميّت هذا المبلغ ( إن لم يستطع الميت دفعه ) .. هل سيعود ميِّتهم كرّة أخرى إليهم ، ليموت من جديد .. وهكذا ؟ لا أبداً ..إنها مرّة واحدة لاتتكرَّر، ولن يكلِّفهم أكثر من ذلك ، فليطمئنوا . إذاً فلماذا يعترض البعض – وأنا منهم - على دفع هذه الضريبة ؟. قد نكون على غلط .. ولكن دعونا أولاً نناقش القضيّة علَّها تتوضَّح معالمها أكثر ، من ثم نقرر أين الغلط ، وأين الصواب .
سألت أحّد أعضاء المجلس الملّي مرّة وقلت:
لماذا وضعتم ضريبة الميّت ؟
أجابني وقال : لكي ينتسب الناس إلى الكنيسة .
لهذا أسمحوا لي أن أسرد عليكم بعض المواقف ......
أعلمني أحّد الأصدقاء قبل بضعة أيام ، كان قد توفَّى والده في سوريّة ، فأقام له مجلس عزاء ليومين متتاليين في صالة كنيستنا هنا في ستوكهولم. قال : سألت عضو المجلس الملّي المسؤول ، عن مقدار المبلغ الذي يجب دفعه فأجابني وقال: بعد الإطِّلاع على أوراقك ، والسؤال عنك ، رأينا أنك وإخوتك كنتم من المساهمين في شراء الكنيسة ، وأنتم من أفرادها منذ سنوات طويلة ، لكن لغاية هذه الساعة لم تقوموا بإملاء إستمارة الإنتساب المقررة منذ حوالي السنة . لهذا يؤسفني أن أقول لك : المبلغ الذي يجب أن تدفعه هو ثمانية آلاف كرون سويدي ، إنما قررنا أن نراعيك بمقدار ألف كرون سويدي ، لتدفع لنا سبعة آلاف كرون سويدي فقط . وليعوِّضهم الله عليك .
( كان من الأفضل أن يقول له : في المرّة القادمة ، سنخصم لك أكثر..!)
إبتسم صديقي وهو يتابع حديثه معي وقال : أتعلم ياأخي أنني كنت قد وضعت في الظرف ، مبلغ عشرة آلاف كرون سويدي لأقدِّمها للكنيسة بكل طيبة خاطر ، لكن عندما صُدمت بهذا الكلام الجاف والخشن ، أهتزّت أعصابي ، وارتفع ضغطي ، ففتحت الظرف وأخرجت منه مبلغ ثلاثة آلاف كرون ، وأعطيته الباقي . ( هذه إحدى الأمثلة فقط ).
وقصَّ عليَّ أحّد الأصدقاء حكايته مع الكاهن وأعضاء المجلس الملّي منذ بضعة أشهر .. قال : عندما توفى والد زوجتي ( حميّ ) أردنا أن نقيم له صلاة الجنّاز يوم السبت بدل الأحد ، لأسباب عديدة ، منها قدوم مشيِّعين كثر من خارج ستوكهولم ، وخارج السويد . وبإعتبار كان الدفن يوم الجمعة ، رأينا من الأفضل أن تكون صلاة الجنّاز مباشرة في اليوم الذي يليه .
لكن عندما أردنا موافقة الكاهن والمجلس الملّي ، كان جوابهم الرفض
وكان هذا الحوار بيننا :
- الكاهن : لا لن أسمح بإقامة صلاة يوم السبت ، فهذا خارج عن نطاق عملي .. ومن حقّي أن أرتاح في هذا اليوم .
- ولكن ياأبونا لقد سمحت قبل ذلك ..! وأنت بنفسك أقمت القدّاس .. ونحن لانطلب منك أن تكون موجوداً إذا لم تستطع .. لدينا كاهننا .. قدِم من خارج السويد ، وهو من الأهل .. ولدينا أيضاً شمامسة .. نحتاج فقط إلى المكان .
-الكاهن : أولاً ليكن بعلمكم أنا لا أعطي بيتي – كنيستي – لأحّد ، إن لم أكن أنا موجوداً .. هذا من ناحية . أمّا من ناحية أنني أقمت قبل أسابيع قدَّاس وجنَّاز على روح المرحوم الفلاني .. فليكن بعلمكم كان رحمه الله منتسباً – عضواً – في الكنيسة . والأعضاء لهم ميِّزات وإستثناءات خاصة .
- ولكن ياأبونا كان المرحوم أيضاً منذ حوالي الخمس وعشرون عاماً مواظباً ومتردداً على هذه الكنيسة ، وشارك في بنائها وتأسيسها ..!
- الكاهن : وأنا لا أنكر هذا الشيء عليه .. لكنه لم يُملىء إستمارة العضويّة !.
- مشروع إستمارة العضويّة ياأبونا تاريخه منذ سنة واحدة فقط ، وأنت تعلم حق اليقين أنَّ المرحوم خلال هذه السنة كان مواظباً على المستشفى
وأنت بنفسك قمت بزيارته مرّات عديدة ..ناهيك عن أنَّه كاناً طاعناً في السن ، فهل كانت حالته تسمح له بالتفكير في مثل هكذا أمور ؟ إنه كان يودّع هذه الحياة ياأبونا ، فكيف تطالبونه ( بسند تمليك ) فيها ؟!
- الكاهن : على كلٍّ هذا ليس قراري ..! إنه قرار المجلس الملّي ..والنظام
جيّد وجميل .. وهو يشمل الجميع .
- شكراً لك ياأبونا ، وشكراً للمجلس الملّي .. وبرغم أنكم تعاملتم مع المرحوم على أساس غير عضو في كنيستكم وحاسبتموه بالكامل.. برغم السنوات الطويلة التي قضاها معكم ، أنقل لكم – من العالم الآخر عوضاً عنه - شكره الخاص وتحيّاته الخالصة ، ومنّي أيضاً كل المحبّة والإمتنان . ( كان هذا مثالاً آخر ياأعزَّائي ..!).
في مرّة من المرّات نادى عليَّ أحّد ( المطرانين ) فتقدمت منه ، فقال :
أراك تهرب منّي ، على غير عادتك .. لماذا ؟ وهل ليّ معرفة السبب ؟
(بالحقيقة كنت آخذاً على خاطري منه ) فقلت له : العفو ياسيدنا .. كيف نستطيع الهروب منكم ؟ وإلى أين سنهرب ؟ ومهما هربنا منكم ، مرجعنا هو إليكم . فأنتم تعمِّدوننا وتزوِّجوننا وتطلِّقوننا ، وتدفنوننا ، وترثوننا وتودِّعوننا بما يحلو لكم من كلام ، شئنا أم أبينا .. فأين المفرُّ ياسيدي ؟. ( ضحك وقال : جوابك دوماً حاضراً ) .
نعم عزيزي القارىء ، الكنيسة هي نقطة بدايتنا ، ونهايتنا على هذه الأرض . الكنيسة هي ملجأنا المقدّس والمحبب والآمن ..الكنيسة هي أمَّنا
الثانية ، هذه الأم التي نجلَّها ونخدمها ونصونها مادمنا على قيد هذه الحياة.
أمِنَ المعقول أن تكون قاسية علينا ساعة الفراق إلى هذا الحد؟
أمِنَ المعقول أن تفرض علينا الضرائب ونحن في هذه الحالة ؟ وأقصد حالة ( الموت ) .
ماذا يعني لو صرخ أحّدنا من داخل نعشه وقال : لا .. لا .. لن أدفع ..!
لقد دفعتُ الكفاية وأنا بينكم .. دفعتُ يوم مولدي .. ودفعتُ يوم زواجي
ودفعت يوم مسرَّتي وفرحي .. ودفعت يوم ألمي ومرضي .. ودفعتُ ...ودفعتُ ...فماذا تريدون منّي أكثر من ذلك ؟ ولماذا تلاحقونني حتى قبري ؟
ماذا يعني لو صرخ أحّدنا من داخل نعشه وقال : لا ..لا.. لن أدفع ..!
أكنتم عندئذٍ ستقولون حدثت معجزة ، وتكلّم ميت ؟!
نعم ربما هكذا كنتم ستقولون .. لأنكم لاتؤمنون إلاَّ بالمعجزات ..
كفاكم ياناس ..هل لكم أن تريحوا الميت في ميتته ؟ هل لكم أن تتركوه يرحل سعيداً في رحلته ؟ ولا تنسوا بأنها رحلته الأخيرة التي يحق له أن يرحلها دون قطع تذكرة ، ودون متاع ، ودون دفع ضرائب .
أمّا عن الأهل ، فما ذنبهم في هذا الرحيل ؟ أليست هي مشيئة الله ؟
أليسوا هم تعساء وحزانى على مصيبتهم ؟ إذاً لماذا تزيدون الطين بلّه عليهم ؟ كيف لاتراعون مشاعرهم وهم في هذه الحالة ؟ لماذا تفرضون عليهم دفع ضريبة ميِّتهم ؟. ياناس..! أيُّها النظاميّون ..! أتركوا الميّت وأهله بحالهم .. خففوا عنهم أثقالهم .. دعوهم يدفعون بحرّيتهم ، وبحسب إمكانيتهم ، وثقوا تماماً أن الله سيعوِّض عليكم أكثر فأكثر في مناسبات أخرى سعيدة . أتظنون بعملكم هذا، وبهذه الطريقة ، ستجبرون الناس على الإنتساب إلى الكنيسة ؟ لا ولعمري أنكم تزيدونهم إصراراً وعناداً ...لا بل ستنفرون وتبعِدون الأجيال القادمة منها ..جرَّاء أعمالكم هذه ..!
ألم يقل السيد المسيح له المجد : يرون أعمالكم الحسنة ، فيمجِّدون أباكم السماوي ؟! . إذاً إظهروا أعمالكم الحسنة لتكسبوا ثقة الناس وتقرِّبوهم منكم . ومن أهم أعمالكم التي يجب أن تظهروها للناس هي عدم تمسُّككم بالكراسي .. فمتى أنتهت دورتكم الثانية سلّموا مناصبكم ولاتثوروا وتخوروا وتقولوا :( لايأتي أحّداً إلاَّ على جثتنا ).
- ضريبة الميّت – وكان لنا الحظ أن نسمع بها ..ولكن أتمنى أن لايأتي يوم وبه نسمع تقولون : من ليس منتسباً إلى الكنيسة ، لايحق له دخولها ، حيّاً كان أم ميّتاً ..! ( وهذه ستكون حتماً إحدى علامات القيامة ) .
فريد توما مراد
ستوكهولم – السويد